دار جاسر بعدسة توفيق باسيل، بيت لحم، حوالي ١٨٩٠، أرشيف دار جاسر
تم بناء منزل دار جاسر في أواخر العام ١٨٨٠ على يد مختار مدينة بيت لحم في ذلك الوقت يوسف إبراهيم جاسر الذي كان أميناً للمدينة، والذي قام بإنشاء سجل يحمل أسماء كل المولودين الجدد وسكان بيت لحم آنذاك، كما وعرف يوسف جاسر بمهاراته في نحت وتشكيل أصداف اللؤلؤ، وتعتبر عائلة آل جاسر جزءاً من حمولة الفراحيّة، وهي إحدى الحمولات السبع الأصليّة في مدينة بيت لحم.
تم بناء المنزل كمبنى سكني للعائلة، إضافة إلى تخصيصه لإستضافة أبناء العائلة والأصدقاء المغتربين في أوروبا والأمريكيتين الوسطى والجنوبية في زياراتهم لمدينة بيت لحم. كما وقد كان المنزل أحد البيوت الأولى التي تم بنائها في منطقة المدخل الرئيسي لبيت لحم من جهة القدس، على شارع (القدس – الخليل) التاريخي.
إضافة إلى البيت الرئيسي، تم إنشاء مبنى حجري صغير يستخدم لتخزين الطعام والمؤن والأغراض الأخرى، وتضم الأرض المحيطة بالبيت حديقة جميلة، وأشجار زيتون، وسنسلة حجريّة فلسطينية تقليدية. كما وتم العمل على ترميم السناسل الحجريّة مؤخراً كجزء من مشروع ترميم دار جاسر العام، كما تمّ إضافة بوابة وأشغال حديديّة أخرى للبيت.
منذ بنائه، شهد منزل دار جاسر الكثير من المناسبات والإحتفالات العائلية المختلفة، كحفلات الزواج، الولادة، لمّ الشمل، والمناسبات الحزينة، إضافة الى كون البيت شاهداً على الثورات ومختلف الأحداث التاريخية التي شهدتها فلسطين.
يوسف جاسر هو والد سليمان جاسر، الذي عرف بشجاعته وكرمه ومساعدته للمحتاجين، حيث تم انتخابه مرتين ليشغل منصب رئيس بلدية بيت لحم في الأعوام ١٨٩٩ حتى ١٩٠٣، ومن ١٩٠٣ حتى ١٩٠٧، كما وشغل سليمان جاسر منصب "مير ميران"، وهو منصب عثماني يوازيه منصب "حاكم". أما سليمان جاسر واخوته فقد كانوا تجاراً ناجحين نشطوا على مستوى عالمي، حيث امتلكوا مكاتباً ومقرّات في كل من بيت لحم، بارانكيلا، بيروت، وباريس.
بدأ سليمان جاسر بالعمل على بناء قصر دار جاسر بجوار منزل دار جاسر الذي استمرّ استخدامه من قبل العائلة اثناء بناء القصر ما بين عاميّ ١٩١٠ و١٩١٤، وفي كل اسبوع كان سليمان وعائلته يقدّمون الطعام لعابري السبيل والمحتاجين، وكان القاصي والداني يعلم بأنه مرحب به لدى عائلة جاسر، ولا زالت مقولة "يهوو الفتيت في دار جاسر" معروفة حتى يومنا هذا كإشارة إلى كرم سليمان جاسر وعائلته. كما وشهد المنزل تغيرات الحكم في فلسطين من الحكم العثماني الى الإنتداب البريطاني.
عندما افلست العائلة عام ١٩٢٩، خسرت قصر سليمان جاسر والمنزل الأصلي (دار جاسر)، وبيعت بالتّالي ممتلكات العائلة ومن ضمنها غالبية الأثاث والمقتنيات الخاصة في مزاد علنيّ، بعد هذه الحادثة، هاجر أبناء عائلة جاسر جميعهم باستثناء سليمان وزوجته وأبناءه، بعد ذلك قامت سلطات الإستعمار البريطاني بتحويل قصر سليمان جاسر إلى سجن، أما دار جاسر فقد تم شراؤها من قبل عائلة قوّاس.
بعد نكبة عام ١٩٤٨، تم تحويل مبنى قصر سليمان جاسر إلى مدرسة الأمّة الإعداديّة، وتم ذلك بعدما أجبرت المدرسة على الإنتقال من حي الباقة في القدس إلى مدينة بيت لحم، وتم بالتالي تحويل دار جاسر إلى سكن لمراقب المدرسة وطلّابها، وخلال سيطرة الحكم الأردني على المدينة في نفس تلك الفترة، عمل نصري سليمان جاسر – حفيد المختار يوسف إبراهيم جاسر كمدرّس في نفس المدرسة. ولاحقاً في الستّينات، استخدم قصر جاسر كمبنى للمدرسة الوطنية الحكوميّة الثانويّة للبنين كي تخدم سكان قضاء بيت لحم، أما دار جاسر فقد تم إستخدامها كمختبر لقسم العلوم في المدرسة، وتمّ لاحقا تحويل القصر إلى مدرسة للبنات.
في الثّمانينات، نجح نصري سليمان جاسر في استرجاع منزل دار جاسر، وكان ذلك بفضل حنّا قواس المشكور جداً على عرضه السخيّ لسليمان بشراء البيت من خلال أقساط مالية طويلة الأمد. بعد إتمام الصفقة، عاد نصري وزوجته مارغريت ليسكنوا منزلهم مجدداً حتى أواخر ايامهم، وكان ذلك منذ سنة ١٩٨٠وحتى سنة ١٩٩٦.
في عام ٢٠١٤، قام يوسف نصري جاسر، حفيد سليمان جاسر، بشراء حصص إخوته في دار جاسر، وأصبح بالتالي المالك الوحيد للبيت، بعد ذلك، وانطلاقاً من حلمه الدائم بتقديم شيء خاص الى مدينة بيت لحم التي ولد وترعرع فيها، اتخذ يوسف جاسر قراراً بتحويل المنزل إلى مركز للفنون والأبحاث، بحيث يخدم هذا المركز أهالي منطقة بيت لحم والمجتمع الفلسطيني في الوطن والشتات.